كلمة السيد الرئيس محمد حسني مبارك حول التحرك المصري لوقف العدوان علي غزة

كلمة السيد الرئيس محمد حسني مبارك حول التحرك المصري لوقف العدوان علي غزة

الاخوة المواطنون..

يتواصل العدوان الاسرائيلي علي غزة للأسبوع الثالث ، بما يشهده من فظائع وإزهاق للأرواح وإراقة الدماء ، وما يؤدي إليه من تدمير واسع النطاق للبنية الأساسية ومقومات الحياة.
يمثل هذا العدوان تصعيدا خطيرا في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي وعبر ما شهدته القضية الفلسطينية من مراحل وتطورات خلال الستين عاما الماضية.

لقد رعت مصر هذه القضية منذ عام 1948، وقدمت من اجلها ما لم يقدمه احد آخر من تضحيات .. إنطلقت من أرض مصر منظمة التحرير الفلسطينية , ودعمناها بالمال والسلاح .. تمسكنا بأن يصاحب السلام المصري الإسرائيلي اتفاق للحكم الذاتي للفلسطينيين وصولا لإقامة دولتهم المستقلة .. كنا مع "أبو عمار" في نضاله من أجل شعبه وأخرجناه من حصاره في لبنان.. كنا معه في " مؤتمر مدريد" ووضعنا أسس ومبادئ السلام العادل .. دعمناه كرئيس للسلطة الوطنية الفلسطينية فور تشكيلها .. أعادته مصر إلي غزة وقمت بمرافقته – شخصيا- حتى "رفح" ، في أول عودة له وللقيادات الفلسطينية للأراضي المحتلة منذ عام 1967.. رفضنا تشجيعه علي قبول تسوية ظالمة في "كامب ديفيد" عام 2000، كنا معه ومع الشعب الفلسطيني في الانتفاضة الأولي والثانية .. ومع أبو مازن في جهوده من اجل الدولة الفلسطينية المستقلة .. ولم نحاول يوما إملاء مواقف بعينها علي الفلسطينيين.

نعم .. لقد احتضنت مصر شعب فلسطين وقضيته بمواقف واضحة ودور يسعي إليها لاعتبارات عديدة تمارسه بشرف وتجرد منزه عن الغرض.. وتتحمل علي طريقه الكثير من العناء والمصاعب.. ومزايدات تأتي ممن لم يقدموا شيئاً لشعب فلسطين وقضيته ولا يستطيعون .

لقد تواصلت جهودنا لتحقيق الوفاق الوطني الفلسطيني .. دعونا لأن يكون قرار أبناء فلسطين بأيديهم بعيدا عن التدخلات الخارجية وضغوطها وإغراءاتها .. ودعونا لأن تقف المقاومة الفلسطينية وراء المفاوض الفلسطيني.. تشد أزره في الدفاع عن قضيتهم.. وسعيهم لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

قلنا لمن يقسمون الصف العربي بين "دول الاعتدال" و "دول الممانعة" .. ماذا فعل الممانعون لشعب فلسطيني وقضيته؟ وماذا فعلوا لتحرير الأراضي العربية الرازحة تحت الاحتلال.

لقد تحسبت مصر من وقوع هذا العدوان الإسرائيلي الراهن، وبذلت جهودا متواصلة كي تحول دون وقوعه.. سعينا – دون كلل - لتمديد التهدئة أبلغنا الإخوة الفلسطينيين بأن رفض التمديد سيمنح إسرائيل الذريعة للعدوان .. وقمنا – في ذات الوقت – بتحذير إسرائيل من الاعتداء علي غزة ، وطالبنا قادتها بممارسة أقصي درجات ضبط النفس .
عندما وقع العدوان علي غزة .. كان موقفنا أن فظائعه المدانة والمرفوضة – لا تحتاج لبيانات الشجب والاستنكار، بقدر ما تحتاج لتحرك عملي عاجل .. يوقف العدوان ويحقن الدماء.

رأينا أن التحرك العملي هو الأكثر جدوي لوقف العدوان.. تحرك يحتوي تداعياته علي أهالي غزة بعيدا عن الخطب الرنانة والشعارات الفارغة .. واجتماعات تكتفي ببيانات الإدانة والمزايدة وتبادل الاتهامات، تدفعها محاولات للعب الأدوار وبسط النفوذ.. تؤدي لتعميق الخلافات العربية .. وتمعن في شق الصف العربي.

بذلت مصر جهودا مضنية – ولا تزال – لوقف العدوان واحتواء تداعياته الإنسانية علي الأهل في غزة منذ اليوم الأول للعدوان .. أدخلنا من هذا المعبر ما يزيد علي (1000) طن من مساعدات الإغاثة والأطقم الطبية .. وما يقرب من (400) جريحا فلسطينيا للعلاج بمستشفياتنا .. قمنا بدفع ما يزيد علي (2000) طن من المساعدات الإنسانية من معبر "العوجة" ، وضغطنا علي إسرائيل لفتح باقي المعابر أمام مساعدات الغذاء والدواء والوقود .

طرحنا المبادرة الوحيدة للخروج من الأزمة .. وسعينا لإنجاحها باتصالات لم تتوقف مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي والأطراف الدولية الفاعلة .. طرحت مصر هذه المبادرة ، في غياب أية مبادرات أخري لوقف نزيف الدماء ، وفي مواجهة مماطلة مجلس الأمن الدولي في النهوض بمسئوليته . وبرغم إعتماد قرار المجلس (1860) بعد يومين من طرح المبادرة المصرية ، فإن العمليات العسكرية الإسرائيلية لا تزال متواصلة بقطاع غزة المحتل .

لقد استمر التحرك المصري – في سباق مع الزمن – لوقف إطلاق النار .. وشهد حلقات متتالية من المفاوضات المكثفة والصعبة مع الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني .. كما شهد تمسك كلا الجانبين بمواقف .. لا يحتملها نزيف الدم المتواصل في غزة .
إن مصر– في سعيها لوقف العدوان - تعمل علي تأمين حدودها مع إسرائيل وقطاع غزة .. ولن تقبل أبداً أي تواجد أجنبي لمراقبين علي أرضها .. وأقول أن ذلك خط أحمر لم – ولن - اسمح بتجاوزه .

الأخوة المواطنون ..
إن مصر ترفض العدوان الإسرائيلي المستمر علي غزة .. تطالب بوقفه علي الفور ودون إبطاء .. وتحذر من عواقبه علي أمن واستقرار الشرق الأوسط .. وأقول لقادة إسرائيل أن هذا العدوان لن يوقف المقاومة .. ولن يحقق أمن إسرائيل وشعبها . أقول لهم أن العدوان يزيد من صمود شعب فلسطين .. يعمق مشاعر الغضب والكراهية تجاه إسرائيل وشعبها .. ويقطع الطريق إلي السلام .

وتأسيسا علي ما دعت إليه المبادرة المصرية وما تم في إطارها من مشاورات .. فإنني أطالب إسرائيل اليوم بوقف عملياتها العسكرية علي الفور .. أطالب قادتها بوقف فوري غير مشروط لإطلاق النار .. وأطالبهم بالانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية خارج القطاع .

إنني أدعو مخلصا لمواقف مسئولة من إسرائيل والفصائل الفلسطينية .. تستجيب لنداء العقل والضمير .. وتضع نهاية لما يسقط كل يوم من الشهداء والضحايا ، وتنهي معاناة أهلنا في غزة وآلامهم .

سوف تواصل مصر جهودها – فور وقف إطلاق النار – من أجل إستعادة التهدئة في غزة ، وإعادة فتح المعابر ورفع الحصار عن أهاليها .
وسوف يظل معبر "رفح" مفتوحا أمام مساعدات الإغاثة المصرية والعربية والدولية .. وأمام الحالات الإنسانية .. إلي حين التوصل لترتيبات إعادة تشغيله وفق اتفاق المعابر لعام 2005 بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل والإتحاد الأوروبي .

كما أن مصر عازمة علي مواصلة جهودها لتحقيق الوفاق الوطني الفلسطيني ، بما ينهي الانقسام الراهن ، ويضع حدا لتداعياته علي شعب فلسطين وقضيته العادلة .
وفضلا عن ذلك .. فسوف تدعو مصر لمؤتمر عالمي للدول والمؤسسات الدولية المانحة ، من أجل حشد الموارد اللازمة لإعادة إعمار غزة ، وتعويض ما لحق ببنيتها الأساسية ومنشآتها من تدمير وخسائر فادحة .

إن الوضع الراهن في غزة – رغم خطورته – لا ينبغي أن يصرف إنتباهنا عن جوهر القضية الفلسطينية وهو إنهاء الاحتلال .. وإقامة الدولة المستقلة .. ولا ينبغي أن يصرف أنظارنا عن خطورة تكريس الإنقسام الحادث بين الأراضي المحتلة في الضفة والقطاع .

لقد وجهت مأساة غزة ضربة قاسية لجهود السلام .. إلا أن الأمل في تحقيقه لن يخبو في قلوبنا وعقولنا وضمائرنا .
سيبقي السلام العادل هدفا نسعي إليه .. سلام يحقن الدماء .. ينهي الاحتلال في الضفة الغربية و غزة .. يقيم الدولة الفلسطينية المستقلة .. يضمن الأمن للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي وباقي شعوب المنطقة .. ويحقق استقرار الشرق الأوسط والعالم .

ستبقي مصر علي عهدها للشعب الفلسطيني الصامد .. تعلي مصالحه فوق مصالح الفصائل .. تدعم قضيته بعيدا عن الخطب والشعارات .. ترفض المتاجرة بأرواح ودماء أبنائه .. تمضي مصر في ذلك بصدق وتجرد .. ولا تلتفت للمزايدات والمهاترات والصغائر .
وبرغم الظرف العربي الراهن .. فسوف تظل مصر راعية لقضايا أمتها .. مدافعة عن مصالحها .. تحفظ الهوية العربية والشأن العربي من محاولات الاختراق .. وتسعي – كعهدها – لما يجمع العرب .. ولا يفرقهم .

رحم الله شهداء غزة .. وحمي الشعب الفلسطيني .. وهيأ لقادته من أمرهم رشداً .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،